ربوا أبنائكم على صفات إبراهيم الابن
ونحن نقترب من تلك الذكرى الطيبة .. ذكرى إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام
ذكرى اليبت العتيق وحج بيت الله الحرام
تعالوا نعتبر من الإبن والزوج والأب
سيدنا إبراهيم عليه السلام
ونربي أبنائنا على صفات إبراهيم الابن
وفيها نتعرف على بعض الصفات التي علينا أن نزرعها في أبنائنا من خلال قصة إبراهيم الإبن
أولاً: معرفة الابن بأحوال أبيه وحياته:
ثانياً: حديث الولد لأبيه عما في يديه من نعم وإمكانيات:
ثالثاً: العلل التي نقدمها لأبنائنا:
رابعاً: كيف نربي أبنائنا على العقاب:
{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إبْرَاهِيمَ إنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: 41 - 45].
إن تعلق الولد بأبيه أمر فطري، أمر يجعل الولد النجيب الذكي يخشى على والده التهلكة كما يخشى عليه أبوه تماماً بتمام.
وإن الله عز وجل ضرب لنا المثل بهذا الولد البار (سيدنا إبراهيم عليه السلام) وهو يتحدث إلى أبيه في أدب جمّ وشفقة وحب.
وهي أمور نحتاج أن نربي أبنائنا عليها حتى نفوز ببرهم وحسن معاملتهم لنا.
فهيا سوياً نحلل جوانب هذا الحوار التربوي في علاقة بارّة من ابن لأبيه ...
أولاً: معرفة الابن بأحوال أبيه وحياته:
فلقد بدأ إبراهيم ـ عليه السلام ـ حواره مع أبيه بأن وضع له هدفاً يمسُّ حيــاته مباشــرة، وهــو النفـع أو المصلحة التي يرجوها والده من عبادة الآلهة (يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا).
فإذا كان الإله الذي يعبده المرء لا يسمع ولا يبصر؛ فكيف يمكنه أن يساعد من يعبـده؟! أو يحقق له نفعاً؟! أو يدفع عنه ضرراً؟!
بدأ إبراهيم حواره بتعريف أبيه أنه يُقّدر حياته جيداً، ويعرف عنه كل شيء؛ الأمر الذي دفعه لأن يقول له هذا نافع لك وهذا ضار.
بدأ من حيث يفكر أبوه، وطريقة تفكيره، وعقله كيف يدور وفيم ينظر؟
وهذا بخلاف ما عليه الآباء اليوم ... فلا أحد من الأولاد يعرف عن حياة أبيه شيئاً، ولا عن طبيعة عمله، بل ربما لا يعرف مكان عمله أو درجته في العمل ومن هم زملاءه.
وكأن عمل الآباء سراً مقدساً لا يحق للأبناء الاطلاع عليه.
إبراهيم عليه السلام حين تعرف على حياة والده وما ينفعه فيها وما يضره لعلمه بطبيعة حياته استطاع أن يقف موقف الفرد المسئول داخل الأسرة وينصح للكبير قبل الصغير وهو محق في نصيحته.
فلا تبخلوا أيها الآباء بوقت مع أبنائكم تخبروهم بأحوالكم وحياتكم .. دعوهم يتعرفوا عليكم جيداً .. فلرب سعة ومخرجاً يأتي على أيديهم.
ثانياً: حديث الولد لأبيه عما في يديه من نعم وإمكانيات:
وفي هذا النداء الثاني: {يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا}
نجد إقرار من الولد لأبيه بأنه في نعمة وفضل، وبأنه يمتلك من الأدوات والإمكانيات ما لا يملكه الأب.
ولد لديه ثقة في نفسه وفي قدراته .. والأب والأم لا يدريان.
وهذه حقيقة وواقع ملموس في زماننا .. فالإمكانيات والتطور والتكنولوجيا اليوم في يد الأبناء أكثر منها في يد الآباء.
ولكن لما كانت هناك فجوة بين الجيلين .. وجدنا أثر الإمكانيات شبه معطل، ويستعمل في كثير من الأحيان في ضر غير نفع.
فما بالنا إن مد الوالد يده تجاه ابنه يطلب منه عوناً على استمرار الحياة بهذا التقدم وتلك الإمكانية والطاقة في يد أبنائنا .. تُرى هل يضنّوا علينا؟ أم تُرانا نستحي أن نطلب مما آتاهم الله من فضل وعلم؟
إن إعلان رب العزة لمثل هذه الآية لهو دليل على أن ما في أيدي أبنائنا خير إن كنا لهم محسنين، وأنه علينا أن نربيهم على أن يفخروا بما في أيديهم (وأما بنعمة ربك فحدث)، وعلى أن يسخروه في المقام الأول لخدمة أهليهم فالأقربون أولى بالمعروف.
إنها دعوة للتقارب وتربية أبنائنا على الظهور المخلص في المجتمع، لا على أن نكبت طاقتهم وعلمهم بدعوى الرياء وحب الظهور والسمعة.
لقد أعلنها إبراهيم عليه السلام صريحة (يَا أَبَتِ إنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا).
فأحسنوا ظهور أولادكم داخل بيوتكم يحسن ظهورهم خارجاً .. وتيقنوا وأحسنوا الظن بأن خيراً ما يعود عليكم وعلى بيتكم بما في أيديهم.
ثالثاً: العلل التي يقدمها أبنائنا:
(يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا)
لقد نقل إبراهيم عليه السلام لأبيه معنى مخالفاً لما هو عليه في عبادته للأصنام، ألا وهو عبادة الشيطان من وراء هذه التماثيل.
وهو إن دلّ فإنما يدل على إعمال إبراهيم لعقله قبل أن يخاطب أباه، ومعرفته بالحقائق قبل الحكم.
إنه لم ينهره ولم يسخر من عبادته وإنما قام ليعرفه ويبصره بالحقائق الغائبة عنه.
وكم من ولد اليوم هداه الله لخير والتزام؛ فوجدناه ينهر أباه وأمه، ويعتدي على أخته من أجل تبرجها، وكأنه أصبح مفوضاً من الله بالحساب والعقاب.
إن مثل هذا النموذج لهو دليل على أن الولد قد سلك طريقه دون رشاد، وأن أباه وأمه لم يعلمانه وهو ينفصل من مرحلة الطفولة للمراهقة أنه عليه أن يفكر في العلل والأسباب قبل أن يحكم.
فلقد كان من قبل وهو صغير يقبل بالمعلومات دون تفسير، وعليه الآن أن يتعلم سبب هذه الظاهرة وما علتها.
فلماذا طعام اليوم قليل؟ ولماذا الذهاب لجدي وجدتي وأقاربنا؟
أسئلة وغيرها كثير ينبغي أن تكون لها إجابات واضحة وعلل عند الأولاد؛ حتى لا يصبح حكمهم على الأشياء جافاً.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا (علموا أولاد كم الصلاة وهم أبناء سبع واضربوهم عليها وهم أبناء عشر) ..
فليس من المعقول أن يظل الولد يتعلم حركات الصلاة وما يقول فيها طيلة ثلاث سنوات ... إنها مدة طويلة بحق ... وأبنائنا أذكى وأوعى من أن يتعلموها في مدة طويلة كهذه.
ولكن كانت حكمة النبي صلى الله عليه وسلم أن يدرك الأولاد ويتعلموا طيلة هذه السنوات الثلاث فقه الصلاة من حيث من هو الإله وأين هو وكيف يعبد وهل يرانا؟ ومن حيث الطهارة في المكان والبدن وأنواع المياه وأحكام النجاسات والغسل والتيمم والجنابة والاغتسالات والواجبة والمسنونة وصلوات الجمع والجماعات والنوافل والفرائض وأحكامها ... إلى غير ذلك بكثير مما لا يدع عند الولد حاجة للسؤال إن أخطأ في صلاته أو سهى أو فقد ماء أو كان مسافراً أو مريضاً لا يقوى على القيام ...
وهذا ما يعرف بالعلل من وراء الصلاة .. فهل ولد تربى ثلاث سنين على مثل هذه العلل وتفنيدها وأصبح لديه هذا الفهم من الفقه في الصلاة وغيرها من العبادات يأتي عليه يوماً ينهر أباه أو أمه؟
هل المشكلة في ولد عاق لا يعرف العلل والأسباب؟ أم في أب وأم نسيا أصول التربية وتنشئة الولد تنشئة سليمة؟
فهيا بنا من جديد نضع أيدي أبنائنا على العلل حتى ترق قلوبهم على زمانهم وعلى أقرانهم وأهليهم.
دربوهم على التفكير وإعمال العقول قبل الحكم على الأشياء والتسرع .. دربوهم على الصبر والحلم .. ولا تقولوا أن هذا زمان السرعة والعجلة .. فإنما السرعة والعجلة تأتي في زمن غاب فيه الضابط والوازع والموجه والمربي.
رابعاً: كيف نربي أبنائنا على العقاب:
(يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا)
لقد بات إبراهيم بعد كل هذا الكلام وجلاً خائفاً على أبيه، فهو لم يقنع بحوار ولا بعلة ولا بغيرها .. ورغم ذلك لم يتنازل .. فبدأ يذكره بالعاقبة (يَا أَبَتِ إنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ).
كم من مرة فوجئت بولدك يقول لك يا أبي لا تكذب؟ بكل براءة ينطق بمواجهتك في موقف لا يعرف فيه سوى الوضوح، وأنت ربما كنت تتجمل أو تواري في الحديث ... ففوجئت بكلمته تنزل عليك كالصاعقة .. لا تكذب.
تُرى كيف كان موقفك؟ نهرته .. وأهنته وربما ضربته لأنه أهانك ...
في حين أنه يذكرك بالله وبالقيم التي تعلمها منك.
تُرى .. ولد يفعل معه أبوه مثل هذا .. هل سيقتنع بعد ذلك بعقاب الله وغضبه وحسابه؟
لقد سفهت أنت من هذه القيمة أمامه وأهنته .. فكيف تطالبه بعد ذلك بتبني هذه القيمة والعمل بها؟
لقد وصل إبراهيم في نهاية كلامه بأن بدأ يذكر أباه بعقاب الله، وأقرّ الله على إبراهيم فعله طالما في حدود الأدب والنصح مع الأب.
فهل ستصبر وتراجع نفسك حين يذكرك صغيرك بالله؟
وهل ستقبل عليه تحتضنه وهو الخائف عليك من عقاب الله؟
(قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي)
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: أَنَّى لِي هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ"
فهل تربي ولدك على النصح لك وعلى الاستغفار لك؟
أم تعنفه فلا ينصح ولا يدعو .. ثم تشتكي وتقول ولد عاق ومقصر؟