1 . قال تعالى:{ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون }
[المائدة:3 ]
وقال تعالى:{ ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حـسداً من عند أنفسهم
من بعد ما تبين لهم الحق } [البقرة :109].
ثم قال تعالى { ودت طـائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم }
[آل عمران :69]
وقال تعالى {ولا يـزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا } [البقرة: 217]
في الأولى أخبر تعالى أنهم يئسوا من دينكم ثم أخبر بعد ذلك أنهم يودوا لو يردونكم من بعد إيمانكم ..
وقال بعد ذلك أنهم لا زالوا يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم .. وكـونهم يـودوا إضـلالنا ولا زالوا
يقاتلوننا يتنافى مع معنى اليأس لأن اليـأس يـوقف العمل والسعي كما قال تعالى على لسان يعقوب
{ يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيئسوا من روح الله }
ولو يئسوا ما بحثوا، فكذلك الكـفار وهم كما أخبر تعالى لا يزالون .. فكيف ذلك ؟؟؟
ج . في الأولى أنهم قد يئسوا من أن يمسوا المنـهج بتحريف، بينما في التاليتان هم ما يئسوا من المتمنهج ..
أي أنهم قد يئسوا من تحـريف الإسـلام كمنهج وما يئسوا من إضلال المسلم كمتمنهج ..
ذلك لأن منهجية الإسلام تكفل الله تعالى بحفظها بقوله :{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحـجر]..
أما المسلم فالابتلاء والتعرض لمزالق أهل الضلال والكفر من ضروريات إيمانه ليختبر الله تعالى
ثباته على الإيمان { أحسب الذين آمنوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون } [العنكبوت] فلا تناقض بين الحالتين ..
2 . قال تعالى:{ لا إكراه في الدين قد تبين الـرشد من الغي فـمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك
بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم } [البقرة:256]
وقال تعالى:{فإن أرادا فصالا عن تـراض منـهما وتشاور فلا جناح عليهما } [البقرة :233]
.. ما الفرق بين (فصل وفصم ) أو انفصال وانفصام .. ؟؟؟
ج . الفصال هو الفصل بين شيئين ومنها { فـصل الخطاب } أي الفيصل بين الحق والبـاطل،
أما الفصام فـهو الكسر .. لكن أي كـسر ؟؟ هو الكـسر الغير بائن
ولنا أن نسأل لماذا جاء تعالى بهذا اللفظ الموحي بلباب الشيء وأعني به " الكسر الغير بائن "
ذلك لأن العروة الوثقى كما يقول ابن عباس هـي " لا إله إلا الله " وهذه هي لباب الدين وقاعدته
التي يقوم عليها منهج الله تعالى وهـذه العروة لا انفصام لها لأنها دين الوجود قبل أن تكون منهج الرسل
والله يـقول :{ وله أسـلم من في السماوات والأرض}
وقال تعالى{كل لـه قانـتون}وقـال أيـضاً{ولله يسجد ما في السماوات والأرض}
وهي العهد الذي أخـذه الله عـلى بني آدم قبل أن يخلقوا :{ ألست بربكم قالوا بلى}
لذلك قال تعالى في هذه العروة أن لا انفصام لها لأن لبابها " لا إله إلا الله "
ومن لطائف القرآن أن الحق سبحانه وصف الإيمان بـأنه{العـروة}والعروة في اللغة
هو النبات الذي ينموا في الصحارى والقفار مما تتغذى عليه الإبل المرتحلة
وهي إشارة إلى أن لهذا النبات جذورا متصلة بالأرض بـكيفية تختلف عن غيره
فبقيت حية تقاوم هجير الصحاري وهذا التشبيه ينطبق على جـذور الإيمان في القـلب
بـالفطرة التي فطره الله عليها حتى قبل الرسل وفي الأثر ((كل مولود يولد على الفطرة )).
3 . قال تعالى:{ فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا }
[مريم :49]
ما الحكمة من أن الله تعالى قـد وهب له بعد أن اعتزلهم أو إلى ماذا تشير { فلما اعتزلهم } .. ؟؟؟
ج . كما أن الشر قد يصيب أهل الصلاح بصحبة الأشرار ومعاشرتهم فكذلك الخير فقد يرزق الله تعالى
المؤمن لما يعتزل أهل الكفر..وبالتالي فــقد يرزق المرء بالصحبة المؤمنة كما قد يسخط الله
عليه بالصحبة الكافرة..وقد يكون اعتزال ملة الكفر فاتحة خير على المؤمن ..
قال تعالى على لسان يوسف { إني تـركت ملة قوم لا يؤمنون بالله }[يوسف: 37] .
4 . قال تعالى:{واسترهبوهم وجاؤوا بسحر عظيم } [الأعراف:161]
لماذا قال تعالى واسترهبوهم ولم يقل وأرهوبهم .. ؟؟؟
ج . ذلك لأن الرهبة شيء والاسترهاب شيء آخـر ، الرهبـة لا تكون إلا مما كان مشتملا على
جوانب الرهبة في ذاته لذلك قال تعالى عن نفسه { وإياي فارهبون } أما استرهب فهي استجلاب
للـرهبة أو تـصنع لها، ولما كـانت حبال السحرة والعصي ليست في حقيقتها سوى حبال
وعصي لكن يخيل للناس أنهى أفاع تسعى فقد خرجت عـن حقـيقة ما يرهب
فـانتفت على هذا الأساس حقيقة الرهبة فكانت استرهابا لا رهبة ..
5 . قال تعالى:{ لا الشمس ينـبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون }[ يس :40]
ماذا يـعني لفظ { ولا الليل سابق النهار } في الآية .. ؟؟؟
ج . لو قلنا أن طلوع الشمس يأتي بالنهار..فقولنا صواب لا مماراة فيه .. لكن لو قلنا أن أفول الشمس
يأتي بالليل سيكون قولنا خطأ..لماذا..ذلك لأن الليل موجود في النهار وفي الليل
وهو عند غياب الـشمس أبين وعنـد ظهورها أقل بيـانا لذلك
قال تعالى { وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون}[يـس: 37] .
فهو لا يسبق النهار لأنه موجود أصلا في النهار..
6 . قال تعالى:{ والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } [محمد: 12]
لماذا قال تعالى { كما تأكل الأنعام } فـقط ولم يـذكر التمتع كما قال في الكفار
{يتمتعون ويأكلون }والمقابلة تقتضي كمال الوصف .. ؟؟؟
ج . ذلك لأن الأكل حالة تتعلق بضرورة جسدية بحتة لا يختلف فـيها كائن عن كائن وهو بذلك سنة من
سنن الحياة التي لا تقبل المغايرة بين مخلوق ومخـلوق ، أما مـسألة التمتع فهي تقتضي ذوقا وحسا
أرقى مما عند الحيوان وهذا لا يوجد إلا عند الإنـسان فاقتصر في الحيوان على ذكر الأكل بينما
تعداها للتمتع عندما ذكر الإنسان ، على أن هنالك فرق بين اللعب والتمتع فكثيرا ما نرى
حيوانات تقفز وتلعب لكن اللعب فيض حياتي والمتعة فيض شعوري ..
7 . قال تعالى:{ وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات
أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين }[ الأنبياء: 87]
هل من الممــكن أن تلقي هذه الآية في خيال قارئها أن هذا كان ظن ذا النون بالله تعالى أي
" لن يقدر الله عليه " .. ؟؟؟
ج . الآية لا تحمل على هذا المحمل ولا تفهم بهذه الصيغة إذ لا يجوز أن نتصور أن نبي يظن
أن لن يقدر الله عليه ، أما كلمة { نقدر } تحتمل عدة معان ومن معانيها ( نقّدر )
بالتشديد ومن معانيها ( نضيق )
والله يقول { وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن } [الفجر: 16]
فتقدير الآية أنه ظن أن لن نقدّر عليه هذا القدر المتمثل بالتقام الحوت له، وتحتمل أيضا
" أن لن نضيق عليه لما حبسناه في بطن الحوت " ..
8 . قال تعالى:{ ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولكن كره الله انبعاثهم } [التـوبة:46]
وقال تعالى { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل } [الأنفال: 60 ]
فـي الأولى ينكر عليهم إعداد العدة وفي الثانية يحرض عليها فهل هذا تناقض .. ؟؟؟
ج . الأولى وصف للمـنافقين ،وفي القرآن كل حق يصدر من المنـافقين فهو باطـل وكذب
{ إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون }
كذّبهم الله وهم قالوا حقا، وفي الثانية خطاب للمؤمنين بإعداد العدة عند الحرب .. فلا تناقض .
9 . قال تعالى { وورث سلـيمان داوود وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير
وأوتينا من كل شيء إن هذا لهو الـفضل المبـين }[النمل: 16]
قال سليمان علمنا منطق الطير بينما الحدث الذي ستعرضه الآيات التالية متعلق بالنمل
وما بعد ذلك الطير ..فلماذا لم يقل سليمان علمنا منطق النـمل
وهو قد سمع من النملة كما سمع من الهـدهد .. ؟؟؟
ج . المسألة تتعلق بقضية خصوص وقـضية عـموم..كيف..حادثة سليمان مع النملة
حادثة خصوص متعلقة بسليمان فـقط..أما قضية الهدهد فهي قـضية عـموم كونها متعلقة
بأمة ضالة سيهديها الله تعالى على يد سليمان بوساطة الهـدهد..أمـر آخر
هو كون هذه القضية تتعلق بمنهجية النبي وهي الدعوة لله ..
فكان ذكر تعليم الله له منطق الطير لاعتبار مساحة القضية المتعلقة بالطير..
10 . قال تعالى:{الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عـوجا قيـما} الكهف
1 يقول أهل المنطق أن نفي الاعوجاج هو إثبات للقوامة فلماذا ذكر تعـالى لفظة{قيما}
من حيث أن{لم يجعل له عوجا}متضمنة لهذا المعنى .. ؟؟؟
ج . أولا هنالك فرق بين النقيضية والضدية..أي الأضداد والنـقائض..فالنقيضية هي التي لا يكون
بين طرفيها حدا وسطا كـالموت والحياة إذ لا وجود لمرحلة وسطية بين الموت والحياة
وكذلك الوجود واللاوجود إذ لا وسط بينهما..بينما الضدية فهي التي يكون بين طرفيها حدا وسطا
مثل السـواد والبياض فبينهما الداكن –الرمادي –وعلى هذا الأساس صار نفي صفة
ما في النقيضية يعني إثبات الصفة المقابلة بينما نفي صفة ما في الأضداد
لا يعني بالضرورة إثبات صفة مقابلة للضد..ولنرجع للآية ..فهل القوامة
نقيض الاعوجاج أم ضده ..القـوامة هي نـقيض الاعـوجاج إذ لا وجود لما
يسمى بالوسطية بينهما..وهما نقائض فيما لو كانا مجردين ، لكنهما ليسا
كذلك فيما لو أضيفا لشيء وهنا هما مضافان لقضيتين..الأولى إثبـات عدم
اعوجاجه لأهل الكفر ليزيدهم الله يأسا من مسه بسوء والثانية إثبات قوامته
لأهل الإيمان ليزدادوا إيمانا فاقتضى إثبات القوامة لاتصاله بحيثية،
مع نفي الاعوجاج لاتصاله بحيثية مغايرة ..
11 . قـال تعالى:{تلك الدار الآخرة نجـعلها للذين لا يـريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين}
ما وجه الكفران بهذين اللفظين .. ؟؟؟
ج . هذان اللفضان قـد اشتملا على كل أنواع المفاسد..لماذا..لأنهما قد مستا الذات الإلهية وقد مستا
حـركة الحياة الإنسانية..فالعلي هو الذي لا رتبـة فوق رتبته وكل شـيء منحط عـنه ..
فهي صفة إلهية خالصة .. أمـا الفساد ..
فهو متعلق بتعطيل حركة حياة الإنـسان على الأرض
قال تعالى { وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والـنسل والله لا يحب الفساد } [البقرة]
..فكان هذين اللفظين شاملين لـكل أنواع الكفر والـفساد فجعلهما الله تعالى أسباب هلاك يوم القيامة
كما صار تركهما سبب النجاة ..
12 . قال تعالى:{ وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتـبدي به لولا
أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين }
كيف قال تعالى عن فؤاد أم موسى أنه فارغ وهو ممتلئ بحب موسى حتى كادت أن تبدي به .. ؟؟؟
ج . وهذا هو عين فراغه .. أي أنه قد امتلأ بحب موسى ففرغ منه حب الله
والله يقول :{ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه} الأحزاب
، ورسول الله يقول " حبك للشيء يعـمي ويصم "..لذلك قـال تعالى{ربـطنا}لأن القلب إذا أحب غير الله
تقلب عن الإيمان وإذا فــرغ قلب من الإيمان فـقد فرغ بمعنى الكلمة حـتى ولو امـتلأ بأي شيء كان..
ثم قال{لتكون من المـؤمنين}وهذا ما ربط الله قلبها عليه فقد أفقدها حب موسى حسن صلتها بالله..
13 . قال تعالى:{وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون }[الأنبياء 33]
لماذا تقدم الليل على النهار في الأولى ليتأخر القمر على الشمس في الثانية .. ولو أجرينا الآية مجرى
المقابلة لكانت " خلق الليل والنهار والقمر والشمس باعتبار القمر تابع لليل والشمس للنهار .. ؟؟؟
ج . الحق سبحانه قال{خلق}وكلمة خلق تتشعب هنا لعدة شعب فمنها متعلق بالغاية ..أي غاية الخلق ..
والله يقول{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}فلما كانت غاية الخلق هي العبادة تقدم الليل على النهار
باعتبار قرب العبد من الله عند الليل ويقابلها انـشغال العبد بالنهار..أما تقديم الشمس على القمر
فكلمة{خلق}تحمل معنى ضرورة الخلق إذ أن ضرورة الـشمس للحياة أكـثر مـن ضرورة القمر..
فتقدم الليل لمناسبة الغاية وتقدمت الشمس لمناسبة الضرورة..
14 . قال تـعالى:{وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات:41]
لماذا ذكرها الله تعالى بالعقيم .. ؟؟
ج . الحـق سبحانه إذا ما ذكر قضية ما في القرآن فهو يأتي بكل وجوهها الممكنة لها فهنا ذكر العقيم
لأنه سبحانه قـد ذكر في الحجر اللواقح فقال{وأرسلنا الرياح لواقح }فقابل اللقاح العقم ..
15 . قال تعالى:{الله ولي الذين آمـنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليائهم الطاغوت
يخرجونهم من النـور إلى الظلمات أولئك أصـحاب النار هم فيها خالدون}[البقرة :258]..
لكن متى كان الذي آمنوا في ظلمة ومتى كان الذين كفروا في نور..؟؟؟
ج . الآية تحتمل أحد الصيغتين .. أولا أراد الحق سبحانه بالظلمات التي يخرج المؤمنين منها
هي سبل الظلال ومزالق الكفران التي ينجي الله المؤمن منها بما وقر في صدورهم من إيمان
لذلك قال تعالى{إن الـذين آمـنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم} يونس ..
بينما كان النـور الذي يخـرج الطاغوت أهل الكفر منه هو السبل المفضية للهداية كصحبة المؤمنين
والاستماع للقرآن وهي نور من حيث أنها قد توصل للهداية لذلك كان أهل الكفر
يقولون{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه}آل عمران .. والصيغة الثـانية التي تحـتملها الآية هي أن
المراتب الإنسانية ثلاث فصلها قوله تعالى {ونـفس ومـا سـواها فألهمها فجورها وتقواها}
فنفس مجبولة على الفجور شيطانية ،ونفس مؤمنة ملائكية ، ونفـس فطرية سوية بين هذا
وذاك إذن {سواها} هذه نفس وهي النفس السوية بالفطرة و{فجورها}هذه نفس و{تقواها}
هذه أيضا نفس والإيمان هو الارتفاع عن المـرتبتين السابقـتين والفجور انحدار عن هاتين المرتبتين ..
فصارت النفس الفطرية بالنسبة للنفس التقوية ظلمة باعتبارها أدنى منها منزلة وصارت بالنسبة للفجور
نور باعتبارها خير منها..فالله يخرج الذين آمنوا من ظلمة النفس الفطرية لنور النفس الملائكية
والطاغـوت يخرج الذين كفروا من نور النفس الفطرية لظلمة النفس الفاجرة..
16 قال تعالى:{ ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }
إن كانوا في نعمة أصلا فما الذي يدفعهم لمغالبة أنفسهم على التغيير لينعم الله عليهم
وهم بعد في نعمة كما ذكر تعالى ..؟؟
ج . هذا يعتمد على مفهوم المسلم للنعمة..فهل النعمة هي كل ما يرتضيه المسلم ويراه مناسبا وموافقا لرغبته..
فإن قلنا أن هذه هي النعمة فقد صارت النعمة هي كل زيادة من الله للإنسان في ماله وأملاكه وأولاده وحرثه..
لكن ألم يقل الله تعالى:
{نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون}المؤمنون..وألم يقل الله{نمدهم في طغيانهم يعمهون}
وألم يقل الله {سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}
وهل كنوز قارون نعمة أم استدراج وملك فرعون نعمة أم استدراج..لا بـل هل مرض أيوب نقمة
أم تكريم وهل إلقاء إبراهيم في النار نقمة أم رفعة..إذن فالنعمة بمفهومها الصـحيح هي كل ما ينيب
ويرجع العبد لله فقد يرجع العبد إلى الله حين الكـرب والشدة كما قد يرجع إلى الله حين الرخاء
والميسرة وهنا صارت الآية تتكلم عـن ابـتلاء قد أنعم الله به على عباده ليرجعوا إليه حتى
إذا تغيرت نفوسهم بعد ما زكـتها محـنة الابـتلاء
أنعم الله عليهم بما يرتضيه الله لهم وبما ترتضيه نفوسهم..
17 قال تعالى{فأوحـينا إلى مـوسى أن اضرب بعصاك البحر
فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم}[الـشعراء :63 ]..
وقال تعالى في سورة طه{ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضـرب لهم طـريقا
في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى}[سورة طه :77]
لماذا تغيرت الصيغة بين الآيتين .. ؟؟؟
ج . الأولى قد جاءت بعمومية القضية أي أن الله نجّا موسى من فرعون أي أعز المؤمنين
وأخزى أهل الـشرك..أما في الثانية فقد اقتضت هذا الوصف لدخول جزئية جديدة
على سياق القصة وهي معيّة الله
{قال كلا إن معي ربي سيهدين..فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر ……. الآية}
فـجاء التصوير القرآني ليناسب بين عظمة الوصف وثقل هذه الجزية أي معية الله تعالى ..
18 قال تعالى { وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون }[البقرة:51]..
وقال تعالى { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة } [الأعراف: 142]
لماذا جاءت الأربعين ليلة مجمل في الأولى لتأتي مفصلة في الثانية .. ؟؟؟
ج . هـنالك فرق بـين الكمال والتـمام، إذ الكمال مرحلة تقبل الزيادة ولا تقبل النقصان ،
بينما التمام مرحلة تقبل النقصان ولا تقبل الزيادة وقـيل قديما( ما أتم الله شيئا إلا نقص )
لا بل إن طريان النقص على التام شرط تمامه فكأنما قد تم بنقصانه ولو لا النقصان لما قيل فيه تمام..
ولنرجع للآية..فالأصل في هذه العدة هو الثلاثون ، ففي البقرة تعرّض الحق سبحانه لقضية
لا تـتصل بإيمان موسى فقد عرض سبحانه ضلال وكفران قومه
{ وإذ قال موسى لقومه يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل }
أما في الأعراف فقد انتقل الحق سـبحانه لقضية تمس إيمان موسى مباشرة ألا وهي مسألة
رؤية الله{قال رب أرني أنظر إليك}فاقتضى السياق هنا تفصيل المرحلة الإيمانية التي سـبقت
هذه الإرهاصات الموسوية فجاء ذكر العشرة ليال التي أتم بها الله لموسى ميقاته لتتسع مساحة
الإيمان الموسوية بما يحتمل فيض التجلي الإلهي أمام موسى
{ فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا} ..